
- إيران، طهران، الأردن، شرق شارع آراش، رقم 6، الوحدة 4

في البداية يجب تقديم تعريف للفن والجمال، ثم ننتقل إلى تعريف التصوير الفوتوغرافي، وخاصة التصوير الفوتوغرافي الفني.
في البداية، سنستعين برؤية العلامة محمد تقی جعفری في مجال الجماليات، حيث اعتبر الفن مفهوماً يعبر عن مشاعر الفنان الداخلية بناءً على العوامل الخارجية (مثل البيئة، الزمان والمكان، التفاعلات الاجتماعية، السياسية، الدينية… ) والتفاعلات الشخصية في شكل معين مثل (الرسم، السينما، الشعر، الأدب وحتى التصوير الفوتوغرافي). يتم نشر هذا الفن وعرضه في أماكن مثل المعارض، المسارح، السينما، التلفزيون والصحف وغيرها، ويساهم في توجيه الإنسان نحو الكمال، وإذا لم يكن كذلك، فهو مجرد حدث نفسي عابر.
كما يعتقد العلامة أن الجمال يتضمن أربعة عناصر أساسية:
هذه العوامل الأربعة تجعل من العمل الفني عملاً جميلاً.
بعد أن نعرف مفاهيم الفن والجمال، ننتقل لتعريف التصوير الفوتوغرافي، الذي يتضمن تسجيل الأشياء، الحوادث، الوقائع أو أي شيء يتم تسجيله بواسطة الضوء وانعكاساته في غرفة مظلمة (كاميرا التصوير) على مادة حساسة (مثل المستحلب) أو الذاكرة (مثل حساس الكاميرات الرقمية)، والذي يحمل رسالة بصرية معينة (ثابتة وليست متحركة!)، ويعمل على إقامة تواصل بنّاء في مجالات مختلفة (إعلامية، إعلانات، موضة، بورتريه، إلخ).
الآن، بناءً على ما سبق، يمكننا القول إن الفن وأعماله يجب أن تمر عبر فلترات أو مصافي معينة: أ- يجب أن يحمل فكرة معينة، سواء كانت داخلية أو خارجية. ب- يجب أن تُعرض هذه الفكرة عبر أحد وسائل عرض الأعمال. ج- يجب أن تُعرض في مكان ما ليصل إلى عامة الناس وخواصهم. د- يجب أن يتم نقدها وتفسيرها. هـ- يجب أن تتحول إلى نوع أو أسلوب فني. و- يجب أن تكون جزءاً من الذاكرة التاريخية للأمة أو البلد وتخلد.
لا شك أن العديد من الناس يمتلكون موهبة فنية، ولكن إذا لم يتبعوا المراحل السابقة، فإنهم سيُحكم عليهم بالفناء أو بالاختفاء (موت الفكرة)، وهو ما ينطبق على أكثر من 80% من الفنانين والعباقرة.
الآن، يمكننا تقديم تعريف للتصوير الفوتوغرافي الفني (Fine Art Photography)، وهو نوع من التصوير الذي يهدف بشكل رئيسي إلى التعبير عن الآراء الإبداعية والإلهامات الفنية للمصور، حيث يقدم رؤية استثنائية وعميقة. يتميز التصوير الفوتوغرافي الفني عن أنواع التصوير الأخرى أنه، على عكس التصوير الصحفي، لا يهدف إلى تسجيل الأحداث أو الأخبار، ولا يتطلب الالتزام بالمعايير الأخلاقية للصحافة. كما أنه لا يُستخدم لأغراض تجارية أو ترويجية كما في التصوير الإعلاني.
في الواقع، بناءً على التعريفات السابقة، يكون الفن والجمال والتصوير الفوتوغرافي الفني مجرد وسيلة للتعبير عن فكرة معينة في ذهن المصور بهدف عرض حالة جمالية وفنية خالصة، سواء كانت مصنوعة أو جاهزة، باستخدام أي تقنية ترتبط بالتصوير الفوتوغرافي. بشكل عام، لا يتطلب التصوير الفوتوغرافي الفني الالتزام بالتصوير الوثائقي الخالي من التلاعب (كما هو الحال في التصوير الصحفي أو الوثائقي). في الحقيقة، أي نوع من التلاعب، حذف التفاصيل أو إضافة التفاصيل باستخدام أي أداة يُعتبر حراً ومسموحاً به، ويُقدم الصورة المبتكرة كتصوير فني.
في هذا السياق، يُفرض بعض القيود عند تقديم الأعمال باستخدام الذكاء الاصطناعي. في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي متقدماً بشكل يسمح بإعطاء جميع البيانات إلى برنامج مثل “ليوناردو” أو برامج مشابهة، ليقوم بإنشاء صورة كاملة دون أي خطأ وتكون قابلة للتصديق، مما يوازي الواقع الذي تقدمه الكاميرا. استخدام الذكاء الاصطناعي ينشئ عوالم خيالية وغير واقعية، والتي لا تزال تتوافق بشكل أقل مع روح وأصل الإبداع الفني، ولا يسمح المصورون الفنيون لأن يكون الذكاء الاصطناعي هو المبدع والمُنتج الكامل لصورهم.
التصوير الفوتوغرافي يتكون من ثلاثة أقسام:
التصوير التطبيقي: يشمل التصوير العام (مثل صور الجوازات، التأمين، المناسبات، إلخ)، والتصوير العلمي الذي يخدم مجالات أخرى، حيث يأتي التصوير في المرتبة الثانية أو الثالثة من الأهمية.
التصوير الوثائقي: يشمل التصوير الصحفي، الإعلامي، الاستكشافي، تصوير الطبيعة بأنواعها، تصوير المشاهير، إلخ. في هذا النوع من التصوير، يعمل المصور كراوٍ للحدث أو الواقع الذي يحدث أمامه، ويتم توثيقه بصور فوتوغرافية. في هذا النوع من التصوير، لا يحق للمصور التلاعب في الصور ولا يمكنه إضافة أو حذف أي عنصر من العناصر الموجودة في الصورة.
التصوير الفاين آرت أو التصوير الفني: وهو الموضوع الرئيسي لهذا المقال.
هو أي صورة فوتوغرافية يتم فيها تدخل المصور بشكل عمدي وواعي، مما يجعل الصورة الناتجة تبتعد عن الواقع الفوتوغرافي وتحول هويتها الموضوعية (الكائنية) إلى هوية جديدة أو ذاتية (ذهنية)، وبالتالي يظهر للصورة ماهية جديدة.
هل هذه الصورة بالهوية الجديدة تندرج ضمن التصوير الفوتوغرافي أم أنها صورة من أعمال فنية مثل الرسم أو التصوير التوضيحي؟
الجواب مفصل ولكن سنختصره هنا. لنعد إلى تاريخ التدخل في العمل الفوتوغرافي. عندما تم اختراع التصوير الفوتوغرافي، اعتبره الرسامون “قاتل الرسم”، وعندما ظهرت السينما قالوا “من الآن فصاعدًا، التصوير الفوتوغرافي مات!” وعندما ظهرت التلفاز والإنترنت، قالوا إن السينما والمسرح ماتت. ومع ذلك، شاهدنا أن كل واحد منهم قد سلك طريقه الخاص، ولم تختفِ التصوير الفوتوغرافي الأبيض والأسود ولا التصوير الفيلمي (التماثلي). وعندما ظهرت “إنستغرام”، قالوا إن المعارض ستختفي؟ لكننا رأينا أنها استمرت.
في الواقع، ليست التكنولوجيا هي التي تقتل المهن والظواهر القديمة، بل تقدمها بشكل مختلف وأفضل وأحيانًا محسن. كل الاختراعات والإبداعات تسير في اتجاه فهم أفضل للواقع من حولنا، نحو الفكر المأمول والمتفائل، حتى الذكاء الاصطناعي الذي أعلن عن خطورته على جميع المجالات الإبداعية. ولكنه ليس بهذا القدر من الخطورة! سنرى كيف ستفتح هذه التكنولوجيا مجالات جديدة وفرص عمل جديدة.
يجب أن نعلم أنه لا ينبغي أن نكون في حالة صراع مع التكنولوجيا الحديثة، بل يجب قبولها والاستفادة من فوائدها. بالنسبة للتصوير الفني، قد يعتقد البعض منا بشكل مخالف. ولكن في عصر ما بعد الحداثة (الذي بدأ من السبعينيات وحتى اليوم)، تم كسر حدود الفن في الأعمال الفنية ولم تعد محصورة في تعريف معين مثل الدادائية أو التكعيبية، بل أصبح التنسيق والتعاون بين الفنون المختلفة هو الذي يشكل الأساليب في فترة ما بعد الحداثة.
إذن التلاعب في الصورة، إذا كان بشكل معقول وقابل للإقناع، بدون كشف التعديلات أو الحواف المقطوعة، أو من خلال ترتيبات مذهلة، يمكن أن يكون له مكان ضمن أفكارنا المعاصرة.
يجب أن نعلم أن عظمة التصوير الوثائقي والفوتوغرافيا التطبيقية في مكانها وفي المهرجانات المعنية بها لن تتأثر سلبًا، بل ستستمر في طريقها.
هناك العديد من محبي التصوير والمصورين المتعلمين الذين يمتلكون صورًا مبتكرة ومعالجة باستخدام أنواع من الفلاتر والإضافات من “فوتوشوب” أو برامج أخرى على أقراصهم الصلبة، وربما نشروا هذه الصور على صفحاتهم الشخصية أو على إنستغرام بشكل نادر، لأن العديد من المهرجانات والمعارض في السنوات الأخيرة لم تعد تقبل الصور المعدلة، ولم تُعقد سوى بعض مهرجانات التصوير الإبداعي في السبعينات والثمانينات.
يُعتبر التصوير الفوتوغرافي الفني في الخارج نوعًا فنيًا مستقلًا إلى جانب أنواع أخرى من التصوير مثل التصوير الصحفي، الإعلانات، البورتريه، وتصوير الطبيعة. يُعرض في المعارض ويُستخدم كديكور، وغالبًا ما يكون له مكانة خاصة في الأسواق والمزادات الفنية الكبرى. أما في إيران، يُنظر إليه على أنه فكرة مثقفة ومزخرفة، وأحيانًا يُسخر منه في الأوساط الفنية والتصويرية.
يبدو أن المصورين الفنيين يتجهون إلى هذا النوع من التصوير بدافع التسلية أو الفضول. في حين أن التصوير الفوتوغرافي الفني لا يقل إبداعًا عن الفنون التشكيلية الأخرى مثل الرسم والخط.
في رأي الكاتب، كل ما يُعرض على الجدران أو في معارض الفنون كتصوير فوتوغرافي، ويتم من خلاله تسجيل الضوء بواسطة المصور، ويكون مصحوبًا بأي نوع من التعديلات ويعكس فكرة نابعة من قلب الفنان، يُعتبر فناً وقابلاً للنقد، سواء كان توثيقياً، تطبيقيًا أو فنياً.

written by:
written by:
written by: